الإنسان بلا قيم إنسان بلا قيمة
الحمد
لله الذي فطرنا علي الإسلام فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق
الله ذلك الدين القيم ، وأصلي علي المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد الذي
ملأ الكون قيما هي كالجبال الراسيات .
وبعد
الإسلام
دين دعوة ودولة ، أي أنه جاء بدعوة أرست العقيدة التي يجب علي أتباعها أن
يؤمنوا بها ووضع لهم قيما تعمل علي بناء الفرد الذي يصلح به المجتمع وتصلح
به الأمة ، كما جاء ليقيم دولة بكل نظمها السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والفكرية .
وأنا
أتوقف اليوم مع قيم الإسلام لتأصيل هذه القاعدة التي اخترتها عنوانا
لمقالة اليوم ، وهي أن الإنسان الذي لا يملك قيما هو إنسان أقل ما يوصف به
أنه إنسان بلا قيمة ، لا
قيمة له في مجتمعة ولا في أمته ولا قيمة له بين الأمم ، وما ضاعت قيمتنا
بين الأمم إلا بسبب تركنا لقيمنا ، فتكالبت علينا الأمم ، فأصبحت قيمتنا
مهدرة بائرة وسلعة رخيصة لا قيمة ولا ثمن لها .
والإسلام سبعون في المائة منه قيم وسلوك أذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر :
إنما
المؤمنون أخوة - ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة - فأصلحوا بين
أخويكم - يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا - لا يسخر قوم
من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن -
ولا تلمزوا أنفسكم - ولا تنابزوا بالألقاب - اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض
الظن إثم - ولا تجسسوا - ولا يغتب بعضكم بعضا - وتعاونوا علي البر والتقوى
ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان - ليس منا من بات شبعان وجاره جائع إلي
جواره وهو يعلم - لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه - وأحسن إلي
جارك تكن مؤمنا - المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده وغيرها .
وإني أخص اليوم مثلثا من هذه القيم وهي :
( المودة , والعطف , والتراحم )
وهي
القيم التي نسيناها فضيعناها ، فتهلهل المجتمع وانفكت عراه ، وأصبحنا
اليوم كما تعلمون جسدا أشلاء ، كلما مر عليه قادم هز رأسه ومصمص شفتيه
وقال إنا لله وإنا إليه راجعون .
أولا : المودة :
أين
المودة ؟ إن الله يتودد إلي عباده وهو الغني عنهم ، فيقول سبحانه " من ذا
الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة " ، ويقول في الحديث
القدسي : " من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا , ومن تقرب إلي ذراعا تقربت
إليه باعا , ومن أتاني يمشي أتيته هرولة " .
أما
نحن الفقراء إلي الله ، فقد هجر بعضنا بعضا ، فقطعت الأرحام ، وولت
الصداقات ، وأصبح الجار لا يعرف عن جاره إلا صوته ، أو أنات توجعه ، أما
ضحكاته فإنها تثير ثائرته وأفراحه تهيج أحقاده ، بل إن البعض نسي ربه ونسي
وده فشغله الله بأمر دنياه عن أمر أخراه .
ثانيا : العطف :
لولا
عطف الله علينا لما كنا ولا كانت لنا الدنيا , وأما رائحة العطف فقد
حرمتها منذ أن ماتت أمي التي ولدتني وأمي جارة أمي فكانت كل أم من الأمهات
أم لكل صغير وكبير, أين حنان الأب ؟ لقد مات بموته , أين عطف الأخ ؟ قتلته
زوجة الأخ ؟
أين عطف
الأخت ؟ حبسه ابنها وابنتها وانشغالها ببيتها وزوجها ، ولم يبق من العاطفة
إلا دمعات تزرفها العين عند الموت إن سمحت ثم تعود ريمه إلي عادتها
القديمة والنتيجة جيل نزع العطف منه لأنه لم يذق طعمه فلا كبير يعطف علي
صغير ولا صغير يحترم كبيرا , فلا غرو أن يقتل الولد والده ولا عجب أن يقتل
الوالد ولده .
ثالثا : الرحمة :
الرحمن الرحيم هو الله ، ولولا رحمة الله بنا لما استمرت بنا الحياة .
أما
العباد فالجفاء شيمتهم ، فتري الشيخ يتهادي فلا يجد من يرحمه ، وأصدق مثال
أنك تجد الشباب قاعدون في المواصلات العامة والشيوخ واقفون ، فأين الرحمة
التي أوصى بها الله : الراحمون يرحمهم الرحمن ـ ارحموا من في الأرض يرحمكم
من في السماء .
أين رحمة الإنسان بأخيه الإنسان وأين رحمة الإنسان بالحيوان ؟
نزعت الرحمة وحلت الغلظة وتاهت الشفقة وظهرت الجفوة ، فيا رب ارحم عبادك فإن عبادك لا يتراحمون .
* أخي أختي ابني ابنتي :
لكي
يعود الجسد الأشلاء إلي قوته ويصبح المسلمون جسدا واحدا وأمة متماسكة ،
لابد أن نتمسك بهذه القيم الثلاث ليتحقق فينا قول النبي صلي الله عليه
وسلم : " مثل المؤمنون في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا
اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " .
ويحضرني
في هذا المقام صورة من صور المجتمع المسلم في عهد أبي بكر الصديق- رضي
الله عنه- حينما ولي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أمر القضاء ، وبعد عام
كامل جاء عمر يطلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء ، لأنه لم تأته شكوى واحدة
طوال هذا العام , فقال له أبو بكر : أمن مشقة القضاء جئت تطلب الإعفاء يا
عمر ؟
فقال
عمر : لا والله يا أمير المؤمنين ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين عرف كل
منهم ما له من حق فلم يطلب أكثر منه وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه ,
إذا غاب أحدهم تفقدوه وإذا احتاج أعانوه وإذا افتقر أعطوه ، وإذا مرض
عادوه ، وإذا مات شيعوه ، فلا حاجة بي عند قوم مؤمنون .
فأي
مجتمع هذا وأي قانون هذا الذي يستطيع أن يمنع الجريمة لمدة عام ، بل أقول
أي قانون هذا الذي يستطيع أن يمنع الجريمة لمدة خمس دقائق بل دقيقة إلا
قيم الإسلام التي ضاعت منا ، فانطبق علينا القول " من لا قيم له لا قيمة
له " .
والأمل معقود علي أن يوفقني الله علي تناول قيم الإسلام واحدة تلو الأخرى إذا شاء المولي فهو وحده ولي التوفيق 0
بقلم علاء الدين المغاورى
أسأل الله أن ينفعنا بما نقول وبما نقرأ وأرجو أن تبلغوا عنا كتب الله لنا ولكم الأجر الجزيل